بقلم : الاستاذة ابتسام حوسني
تعيش أمتنا العربية منذ ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن وضعا كارثيا بكل المقاييس الاقتصادية و البشرية و الأمنية. ذلك أن أمتنا العربية تعد البقعة الوحيدة التي اشتعلت فيها نيران الحروب بشكل مكثف و خطير و خاصة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك تونس و ليبيا. فنيران هذه الحروب أتت على الأخضر و اليابس و لم تدع شبرا واحدا إلا و أحدثت فيه خرابا و دمارا للناس و الحجر و الخيرات.
و كثيرا ما انبرى فقهاؤنا و إعلاميونا و مثقفونا لإعطاء تفسير لهذه الظاهرة/الكارثة إلا أن غالبية هؤلاء تغافل عن جوهر القضية و انشغل بالمظاهر التي تبعد كل البعد عن الحقيقة إما عن جهل و إما عن قصد أو نية مبيتة مستمدين مقولاتهم الأساسية مما طحنته آلة البروباغندا الرأسمالية و الدعاية الإمبريالية.
لا نكاد نتفحص نشرة مرئية أو مقالا محررا أو أفلاما وثائقية إلا و أوهمونا بأن الصراع الأساسي في منطقتنا هو صراع اثني و عرقي و طائفي يهدف التستر على حقائق الأمور من باب الحديث عن الصراع السني-الشيعي .
حقيقة توجد بالمنطقة العربية أطياف عديدة ذات طابع ديني (مسلمين مسيحيين ) و ذات طابع اثني ( عرب أكراد ) و ذات طابع مذهبي ( سنة شيعة ) رغم أن البرجوازية الصاعدة منذ القرن 16 م ، قد تمكنت من إيجاد كيانات قطرية غالبها من طيف واحد في إطار نزاعها مع الاقطاعيات التي كانت تهيمن على العديد من القوميات . و صحيح أيضا أن منطقتنا العربية تعايشت فيها هذه الأطياف منذ فترات طويلة من الزمن في إطار الإمبراطوريات الإسلامية و المتعاقبة دونما حدوث حركات انفصالية حقيقية. و تكرست هذه الاختلافات الطائفية مع معاهدة سايكس بيكو و ظهور الأنظمة الحالية التي جاءت بقدرة قادر هو الرأسمالية العالمية في إطار هجمتها الشرسة على شعوبنا.
أتفق كثيرا مع بعض المحللين الذين بدأوا يتكاثرون في أوروبا و أمريكا الذين اهتموا كثيرا بمنطقتنا و غيرها من المناطق التي كانت مطمع الرأسمالية العالمية و الأوساط المالية الكبرى و خاصة تلك المناطق التي تمثل حلقات ضعيفة بالنسبة لهذه الرأسمالية.
فميشيل كولون هذا المناضل البلجيكي مثال لهؤلاء.ففي حديثه عن الاغتيال المالي يعطي نظرة ثاقبة و شاملة عن الأسباب الحقيقية لكل الصراعات التي عرفتها البشرية منذ انهيار جدار برلين و خاصة يوغوسلافيا السابقة و فينيزويلا و إيران قبل ثورة الشاه ( حركة مصدق ) و غالبية الدول العربية حاليا.
ففي إطار البحث عن حلول لازماتها الاقتصادية المتكررة تهتم الرأسمالية العالمية تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية بالبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها و الضغط من أجل فتح الأسواق العالمية طوعا أو كرها. و من تم تبدأ المخططات الجهنمية لاصطياد البلدان الضحايا تباعا.
مضمون هذا المخطط في الخطوة الأولى دفع البلد المستهدف نحو قبول إقامة مشاريع كبرى تمولها هذه الرأسمالية عن طريق الإغراء فإذا نجحت هذه الخطوة يسقط البلد مباشرة في الديون و التبعية دونما تحقيق و لو مشروع واحد له قيمة بالنسبة للمواطنين و هذا مصير غالبية الدول ( المغرب نموذجا : المغرب الأخضر ، البرنامج الاستعجالي )
اذا تنبه البلد المستهدف لهذه الخطوة الأولى و قاومها و فطن لعواقبها الخطيرة تبدأ الخطوة الثانية في المخطط الإمبريالي و هي محاولة اغتيال كل مقاوم للخطة فتوظف في ذلك المخابرات المتعددة من cia و الموساد و حتى الخونة من البلد المستهدف ذاته ( مثلا المحاولات المتكررة لاغتيال fidèl castro )
و إذا فشلت هذه الخطوة الثانية و فشل البلد في الحفاظ على أمنه يتم اللجوء للخطوة الثالثة من المخطط و هي الهجوم أو الغزو المباشر مثلما حدث في يوغوسلافيا و العراق أو اختلاق المشاكل داخل هذا البلد المستهدف من باب الربيع العربي و المعارضة السورية و داعش في سوريا و العراق.
و يبقى على إعلامنا المناضل كشف هذه الخطط الإمبريالية و التعريف بها و فضحها أمام الرأي العام الوطني و الدولي و الإسراع نحو خلق تكثل وطني لمواجهة هذه المخططات عن طريق حوار جدي بين مختلف الأطياف و الفرقاء.